الاثنين، 28 فبراير 2011

ما هو المطلوب ؟ و لماذا ؟


أحداثٌ رهيبة عاصفة هي التي تمر بها المنطقة العربية ابتدأت في تونس الخضراء مروراً بأرض الكنانة و حالياً في ليبيا التي تمر بمخاض عسير أسأل الله تعالى أن يخرج أهلها منه منتصرون على الطاغية و أعوانه و زمرته.

ذلك الصفيح الساخن يزداد سخونة مع الأيام ليشمل اليمن السعيد و عمان في الصراع الفطري نحو الحرية و العدل و المساواة، و هو صراع أتمنى للشعوب المظلومة المسحوقة الانتصار فيه و استرداد الكرامة !

و هنا قد أتساءل : لم أنا متفاجئ، و لم أنا لست متفاجئا في الوقت ذاته ؟

أما عنصر المفاجأة، فهو يعود إلى كوني لم أتوقع العيش و شهادة هذه اللحظات التاريخية التي تمر بها البلدان العربية، و التي تئن أكثر من غيرها من وطأة الحكم العجائزي الأوتوقراطي و الذي لا ينتهي إلا بـ "توقف الوظائف الحيوية" لذلك الكائن إيذانا ببداية الحلقة التالية لمسلسل "توريث" و الذي يعرض حصريا على قناة الشرق الأوسط العربي.

أما بالنسبة لـ عنصر عدم المفاجأة فهو نتيجة ما نشهده من حكومات فاسدة للغاية، هرمة، و مصابة بداء العجز في عالم يسوده الشباب المتطلع المتحمس للانطلاق في الفضاء الرحب، فما يلبث ذلك الشباب إلا أن تتصطدم أحلامه بـ واقع مرير مفروض عليه لم يكن له في اختياره لا ناقة و لا جمل !

إن أصداء الثورات المتتالية و المتعطشة للحرية قد ترددت في جميع أركان العالم بإسقاط اثنين من الديكتاتوريين، فأصبحت البلاد العربية مرادفة لكلمة الحرية عندما تُذكر.

هذا و نحن في السعودية أقرب لأشقاءنا العرب المناضلين ليس فقط جغرافيا، بل من نواحٍ عدة كـ التركيبة الاجتماعية و الثقافية و الطبيعة العامة السياسية. لذلك، فإن أصداء هذه الانتفاضات لها وقع أشد على المسامع من عرعر إلى نجران و من الدمام إلى جدة (التي أتمنى أنها جفت الآن).

إن الموجات المتعطشة للحرية لا تستثنينا نحن السعوديون we are no different من البلدان المجاورة كما أوضحت سابقا، و لا أبالغ إن قلت بأن الأحداث العربية قد أيقظت سباتا شعبيا هزت من خلاله قناعات و مسلّمات قد رأت في الوضع الداخلي كينونة دائمة باقية غير قابلة للنقاش ! فـ جاءت ردات فعل مختلفة من المواطنين السعوديين تمثلت في الآتي :

- فرقة وطنية مخلصة يقظة منذ عقود رأت في الأحداث مؤشراً للانطلاق في المطالبات المشروعة و قامت بلا كلل و لا كسل بإنشاء عريضة إصلاحية لا أبالغ إن قلت أن تحقيقها هو غاية و أمنية كل مواطن سعودي، و أستثني من ذلك : الفرد التقليدي و الذي لا يتمتع بعقلية مستقلة فهي محتلة بآراء "مشايخ" رأوا فيها قدسية عنوانها السماء، أو مجرد منتفع من الأوضاع الحالية قد أصبح أسيرا لأنانيته الجاهلة !

فـ المطلوب الوارد في عنوان هذه التدوينة هو ما قدمه هؤلاء الأفاضل في عريضة أقدم رابطها الإليكتروني و أحث الجميع على التوقيع و المشاركة فيهما :


الفرقة الأخرى سآتي على ذكرها و أنا أحاول الإجابة على الشق الثاني من السؤال : لماذا ؟

نظام بلادنا الحبيبة هو ما يسمى بـ "الملكية المطلقة" أو الـ absolute monarchy و هو حقيقة نظام لم يعد يحقق التطلعات و لن يفعل، بكل صراحة، فـ لست و غيري من أبناء هذا الوطن بأقل وعياً من Craig Ferguson الذي اندهش بـ حقيقة وجود الفقراء في أعظم مصدر للنفط في العالم ثم ما لبث أن تلاشت دهشته تلك عندما أشار للنظام السياسي بأنه يعود للقرن الحادي عشر الميلادي !

يبدو أن كريق فيرجسون يتفق مع المخضرم فرانسيس فوكوياما و الذي أعلن نهاية تاريخ قد تنبأ به هيجل و علامته -وفقا لفوكوياما- هو ظهور الديمقراطية الليبرالية الغربية و هي التي لا ينافسها في إيجابياتها أحد خصوصا بعد الهزيمة المدوية للاتحاد السوفييتي نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم و انحسار آيديولوجياته الشيوعية و الاشتراكية. فمن ذلك استنتج أن أي تخلف عن ذلك هو تخلف عظيم مركب عن أقصى إنجازات البشرية، فهل نحن متخلفون ؟ أترك الإجابة لكم.

أيضاً، فإن في تبني ما ورد في عريضة الإصلاح قطعٌ الطريق على الفرقة الأخرى، و هي مجموعة من المتربصين المجهولين و الذين لا يكنون في أنفسهم خيرا لهذا البلد مستغلين إحباط الشباب لتوجيههم في مسيرات لا نعلم ماذا ستؤول إليه. حتى الآن، فهناك آلاف المؤيدين لما أسموه بـ "يوم حنين" و المقرر أن يكون الجمعة الحادي عشر من مارس و هو ليس عنا ببعيد !

تبني القرارات الواردة في العريضة سيكن له وقع جميل جدا في نفوس المواطنين من أبناء بلدنا العزيز، و فيه تخليد لاسم العائلة الحاكمة و ضمان أكبر لاستقرارها في ظل هذا العالم العاصف بـ متغيراته. هذا لأن المطالب مشروعة كونية فطرية، فمن يعارض تحقيق العدالة و المساواة و الحرية ؟ شرعية هذه المطالب يجعلها "حتمية" و لو بعد حين إن لم تكن مباشرة التنفيذ.

القياديون في هذا الوطن الواعد هم بالتأكيد حريصون عليه و على مكتسباته، و سيتخذون كل ما من شأنه تحقيق الرفعة و الأمن و التقدم و السلام لهذا البلد، و سيقطعون الطريق على كل من يحاول التربص بهذا الوطن و أبناءه. هذا يكون بالاستجابة السريعة الفورية لما ورد في العريضة. أقول هذا على الرغم من ردة الفعل السلبية التي اتُخذت نحو عريضة الإصلاح و المتمثلة في "حجب" موقعها ! و يا له من تصرف رائع !

هذا و حمداً لله على سلامة الأب القائد أبي متعب و الذي أتمنى من الله تعالى أن يمده بوافر الصحة و العافية، و أن يعينه على تحقيق كل ما فيه خير للبلاد و العباد.

الأحد، 20 فبراير 2011

راند، و الموضوعانية اللاموضوعية !


الشخصية التي أود أن تكون مدار حديثي هي لـ آين راند. سيداتي سادتي آين راند هذه كانت كاتبة مقالات و روايات هاجرت من روسيا و استقرت في أميركا، و هي أيضا مشهورة بالتفلسف لما يسمى بـ "الموضوعانية" أو Objectivism، و هي فلسفة يدور حولها لغط كثير في المجتمع الفلسفي حتى أن مدققي الإملائي لا يتعرف عليها !

السيدة راند تعرفت عليها صدفة عندما كنت أبحث في مكتبة الجامعة عن كتاب فلسفي عام، و ظهر لي من خلال نتائج البحث كتاب "الفلسفة : من يحتاجها ؟" Philosophy: Who Needs it? لـ هذه السيدة، و قد عزمت على قراءته و الاطلاع عليه.

بعدها بمدة وقعت على مقطع فيديو للسيدة راند و هي ضيفة في أحد البرامج في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم، و قد كان الحوار يدور حول نقاط مختلفة، ثم أتبع ذلك طرح أسئلة من الحاضرين، و قد كان أحد الأسئلة يسأل عن رأي السيدة راند حول السياسة الخارجية الأميركية و موقفها إزاء الصراع العربي - الإسرائيلي.

راند بدأت بالإقرار بأنه "لا أحد يعلم ما الذي يحصل في الشرق الأوسط" قبل أن تقوم بشجب الممارسات الخارجية الأميركية، ثم ما لبثت عن إعلان تأييدها المطلق لإسرائيل. في الحقيقة كنت محبط للغاية و تملكتني الصدمة المفاجئة. إنه من الصعب حقيقة أن تنظر إلى أحدهم بنظرة معينة ثم يحطمها بإظهار العكس، "غلطة الشاطر بعشرة" !

طبعاً، هي حرة باتخاذ أي رأي، و أنا حر في ردة فعلي ما دام أنها على المستوى الفكري و على مستوى الآراء. المشكلة هي في الحقيقة هو في تبريرها و الذي لا أحسبه تبريراً بقدر ما أراه جهلاً "قد أقرت به بداية" و عنصرية من كاتبة، و فيلسوفة للأسف !

تقول : أن رأيها هذا يستند إلى أن إسرائيل دولة متقدمة تكنولوجية مدنية في مواجهة بشر بدائيين متوحشين همج عنصريين لم يتغيروا منذ سنين و يمقتون إسرائيل "لأنها دولة متقدمة صناعيا و تكنولوجيا" ! تقول هذا و أنا مشدوه لكمية المغالطات الواردة.

حسنا، أخاطب روحك هنا سيدة راند اللافانية -كما يرى أفلاطون- و أقول :

1- منذ متى و كان "التقدم المدني/الصناعي/التقني" أساسا يُستند إليه في اتخاذ الأحكام الأخلاقية و حتى أقف مع أحدهم دون آخر ؟ لن أذكر أي أمثلة لأن هذا "اللامنطق" متهالك جدا يا سيدة راند فبإمكان أي قارئ إيراد أمثلة لنفسه لنقض ادعاءك.

2- من قال أن سبب المشكلة هنا هو "تقدم إسرائيل" المحظوظة بديمقراطيتها و نزاهة سياساتها الداخلية و المدعومة بالمليارات الخارجية ؟ سيدة راند : You're missing the point, or trying to! الصراع العربي الإسلامي مع إسرائيل واضح سببه و مسبباته بدون أن أخوض فيه.

إجابتها تلك و مناقشتها متهافتة و متهالكة جداً ! حتى المذيع "انهبل" من إجابتها، و رماها بعدم الموضوعية عندما لم تتسامح و وجهة نظر أحد الحاضرين ممن اختلف معها ! في الحقيقة، أشعر بأني أسرفت في الحبر الإلكتروني لكتابة هذا الموضوع !

هذا المقطع لمتقني الإنجليزية : http://www.youtube.com/watch?v=2uHSv1asFvU

و اعترافاً بالجميل و الموقف الرائع الذي قدمه السيد المذيع، أود أن أشدد على نقطة بالغة الأهمية : الشعب الأميركي (أغلبه) شعب رائع جداً، و أخلاقه عالية و حسنه للغاية، و غالبا ما يكن الشعب في صف حقوق الإنسان و الديمقراطية و التعددية و الحرية. هذه حقيقة و حق علي أن أدلي بها.

طبعا الحكومة الأميركية هي شأن آخر مختلف تماما. حكومة مفرطة جدا بالبراغماتية اللاأخلاقية لدرجة أنك قد تسمع البعض من العامة من الأميركيين يقول : كيف استطاع أحدهم السماح لنفسه بالعمل في السياسة ؟ إنها مجال لاأخلاقي البتة !

فليبارك الرب الشعب الأميركي، و ما زلت عند وعدي لنفسي بقراءة كتاب آين راند فأنا كعربي لستُ كما وصفَتْ قومي !

عالم صوفي و جوستاين غاردر



انتهيت منذ مدة من قراءة الرواية التعليمية الرائعة "عالم صوفي"، و هي رواية للكاتب النرويجي الفذ جوستاين غاردر. الرواية بشكل أساسي تتحدث عن تاريخ الفلسفة في قالب روائي قابض للأذهان.

الرواية رائعة جدا كمقدمة لتاريخ الفلسفة و أبرز الفلاسفة و أعمالهم. هي أيضا خيار ممتاز لمن يود استرجاع تاريخ الفلسفة الذي نسيه.

الرواية بشكل عام هي A must-read فهي تستحق القراءة، و غاردر كاتب فذ.

صوفي آمندسون -الشخصية الرئيسية في القصة- هي فتاة على وشك بلوغ الخامسة عشرة من عمرها عندما تلتقي بـ البرتو نوكس، و الذي يؤسس لها حبها الجديد : الفلسفة.

لن أخوض في تفاصيل القصة، فلست بـ spoiler، و لكن شخصية صوفي لطالما أثارت استيائي، فهي مغرورة متذمرة أغلب الوقت، و ما زاد استيائي هو ردة فعلها عندما كان ألبرتو يشرح بعض مساهمات الفلسفة الإسلامية قائلة : أريد أن أعرف ماذا حصل للفلسفة الإغريقية ؟ أم أن هذا هو ذنب الكاتب ؟

أحب أن أنوه -و من خلال اطلاعي على مراجعات عديدة للعمل- أن هذه الرواية قد لا تروق لمن يبحث عن "عمل أدبي"، فهي في المقام الأول عمل سردي لتاريخ الفلسفة و أهم الفلاسفة و أفكارهم. لذلك، فإن قيمتها التعليمية الفلسفية -باعتقادي- تفوق نظيرتها الأدبية و بمراحل !

هذا بشأن الرواية، و التي أنوي أن أقرأ مثلها اثنتين أخريين لنفس الكاتب : سر الصبر ، و مايا.

بالنسبة لجوستاين غاردر، فيبدو على الرجل و من خلال كتاباته أنه رجل محب للسلام، مروج له، و يرى أملاً كبيرا في "الأمم المتحدة" كمنظمة ستنشر السلام في العالم. (أحسده على تفاؤله) !

غاردر كان له قضية و اتهم بـ "معاداة السامية" على خلفية مقال نشره عام 2006 يدين فيه جرائم الحرب الصهيونية على لبنان، و لكنه أنكر التهمة (و هي تهمة ترمى على أي منتقد للنازيين الجدد) ، و قال أنه كتب مقاله في حالة غضب بعد أن رأى الدمار البشري و البنيوي التحتي الذي أحدثته إسرائيل بلبنان ذلك الصيف.

أقول : أنا فاهمك يا غاردر. و الله فاهمك.