"لم لا تتحدون أنتم العرب و تلقنون إسرائيل و أمريكا درسا لا ينساه التاريخ ؟" - صديق أمريكي يتساءل ثملاً
ابتداءً، يجب أن أشيد حقيقة بالمجهودات الفردية لمن قد أسميهم بـ "القوميين الجدد" في إحياء موضوع كنا قد اعتقدنا أنه اندثر إلى غير رجعة ألا و هو حلم العرب السياسي في تكوين دولة لهم مستقلة تمتد أطرافها من عربستان (الأحواز) شرقاً إلى المغرب العربي غرباً، و هو -إن سألتني عزيزي القارئ- حلم مشروع، فالعرب -إن لم أكن مخطئاً- هم أكبر فئة عرقية لا تتمتع بحق دولة سيادية مستقلة من باب تقرير المصير، و ليس "الأكراد" كما كان يروج الصحفي و الملحد المخضرم البريطاني-الأمريكي كريستوفر هيتشنز (ت. 2011).
و لكن، و حتى لا ينتشي البعض أو يستاء البعض الآخر، فأنا قد لا أُوصف بـ "العروبي" أو "القومي"، و إنما خليط من أشياء و أفكار أخرى، و لكن النقاش المحتدم مؤخرا في شبكات التواصل الاجتماعية حول موضوع "الدولة القومية في سياقها العربي" كان يقع بالجوار مني بشكل دعاني للتأمل في الموضوع و الخوض فيه مع بعض الأصدقاء القوميين و الذين أشرت عليهم ببعض النقاط المقلقة في مشروعهم، فما كان منهم إلا الطلب مني -و من أمثالي- المشاركة بلفت النظر و النقد و محاولة علاج المشاكل و طرح الحلول المتعلقة بمشاريع الفكر العروبي، و قد أحسنوا !
و لذلك، سأحاول من خلال هذه المقالة البسيطة استعراض بعض المآخذ، أو لنقل، استعراض بعض الاقتراحات المتواضعة بشأن المشروع القومي العربي، و الذي لا أراه بالضرورة باطلاً أو مستحيلاً خصوصا إذا ما تفحصنا واقع العرب السياسي و المستقبل المجهول.
أولاً، الملاحظ للخطاب القومي الجديد يجد أنه خطاب متلهف، غاضب، مستنجد، و ليس خطابا ينم عن "ترف فكري" يدور في الصوالين الثقافية، و هذه الصفات المصاحية للخطاب مفهومة جدا إذا ما تفهمنا العوامل التي أدت إليها، فما هي تلك العوامل ؟
هي عوامل، و لكن هناك عامل واحد من وجهة نظري هو العامل الأهم و الأبرز و هو : العوامل السياسية الخارجية المحيطة بالعرب : إيران تحتل الأحواز العربية و جزر الإمارات و تعبث بالعراق و اليمن و لبنان و سوريا و تحلم بامبراطورية فارسية نووية جديدة توظف فيها "التشيع" و "نصرة فلسطين" لخدمتها. أمريكا حدث و لا حرج فهي تعبث بالمنطفة العربية منذ عقود فهي الشيطان الأكبر، و طبعاً هناك ورم خبيث ينمو في أحشاء الوطن العربي و يُعرف بإسرائيل يحتل فلسطين و الجولان و جزر سعودية !
حال عربي مؤسف بشكل يدعونا لتفهم الدعوات القائلة باتحاد العرب (و هو اتحاد لن يسر الكثير)، و لكن لا بد من التنبيه لبعض النقاط، فمشروع القومية ليس بجديد و قد باء باخفاقات كارثية. هاكم ما أرى :
باعتقادي أن اللهجة الطاغية على الخطاب العروبي -و إن تفهمناها ابتداءً- يجب ألا تطغى على أسس و قيم الدولة المستقبلية. الدولة التي تقوم على "الخوف و الذعر من الآخر" لا يمكن أن تنجح في سياستها الداخلية و لا حتى الخارجية و النتيجة فشل ذريع، و هذا باعتقادي ما حصل لدول الرعيل العروبي الأول. الدولة التي تقوم على الخوف و التوجس من الآخر (حتى لو كان ذلك التوجس مشروعاً) تجنح بالعادة أكثر من غيرها إلى الانزلاق إلى وحل الديكتاتورية و الطغيان بدعوى حفظ مصالح الأمة، و هي دعوى فيها خطر عظيم !
أي دولة ذات سيادة مستقلة تمر بمراحل تختلف فيها سياساتها المتبعة في إدارة شؤونها، فهناك مرحلة سلام و بناء (و هي القاعدة) و هناك مرحلة حرب و عداء (و هي الشذوذ). الوضع السياسي الراهن للعرب يجعل من السهل جدا -و ربما بشكل غير واعي- قيام الدولة على أسس الحالة الشاذة و ليس القاعدة، و هذا لا بأس به، لكن المشكلة أن ظروف الحرب تحتم سياسات استثنائية تحد من قيمة الفرد و من حريته بشكل دكتاتوري يمكن تفهمه أثناء ظروف الحرب، و لكن ليس أثناء فترات السلم. حتمية هذه السياسات الاستثنائية تجعل منها قاعدة ثابتة تهدد -ليس فقط حياة الفرد و حريته- و إنما أي شكل من أشكال المعارضة للدولة !
ما أقترحه هو قيام دولة العرب في دستورها/أسسها (سمها ما شئت) على نوع من "حجاب من الجهل" بالأوضاع الراهنة المحيطة بها. يجب أن تقوم تلك الدولة على القاعدة و ليس على ما شذ كما لو كانت في حالة رخاء و سلم، و ليست في حالة "طوارئ"، فالطارئ هو ما شذ عن القاعدة و ما لم يثبت. بهذه الطريقة يمكننا على الأقل حماية الحريات الفردية و حقوق الإنسان و موازنتها مع أهداف و مصالح الأمة العامة.
الأمر الآخر هو ضرورة أن يكون الفكر العروبي أكثر مرونة و براغماتية فالغاية هنا تبرر الوسيلة. لا بد من التفريق بين "الفكرة" و "وكيل الفكرة" و اتخاذ أساليب منطقية في الحكم على الأفكار، فـ "فكرة عدوي ليست بالضرورة عدوي". يجب التحرر من أدبيات الخطاب العروبي القديم في معاداة كل ما هو أمريكي على سبيل المثال. أمريكا ليست مقياس أخلاقي للحكم على الديمقراطية مثلا أو الرأسمالية. هذا النوع من التفكير اللامنطقي فشل و سيظل يفشل لأنه لا يحكم على الأفكار في ذاتها و إنما فيمن يمثلها في مغالطة صريحة لأبسط قوانين المنطق.
ابتداءً، يجب أن أشيد حقيقة بالمجهودات الفردية لمن قد أسميهم بـ "القوميين الجدد" في إحياء موضوع كنا قد اعتقدنا أنه اندثر إلى غير رجعة ألا و هو حلم العرب السياسي في تكوين دولة لهم مستقلة تمتد أطرافها من عربستان (الأحواز) شرقاً إلى المغرب العربي غرباً، و هو -إن سألتني عزيزي القارئ- حلم مشروع، فالعرب -إن لم أكن مخطئاً- هم أكبر فئة عرقية لا تتمتع بحق دولة سيادية مستقلة من باب تقرير المصير، و ليس "الأكراد" كما كان يروج الصحفي و الملحد المخضرم البريطاني-الأمريكي كريستوفر هيتشنز (ت. 2011).
و لكن، و حتى لا ينتشي البعض أو يستاء البعض الآخر، فأنا قد لا أُوصف بـ "العروبي" أو "القومي"، و إنما خليط من أشياء و أفكار أخرى، و لكن النقاش المحتدم مؤخرا في شبكات التواصل الاجتماعية حول موضوع "الدولة القومية في سياقها العربي" كان يقع بالجوار مني بشكل دعاني للتأمل في الموضوع و الخوض فيه مع بعض الأصدقاء القوميين و الذين أشرت عليهم ببعض النقاط المقلقة في مشروعهم، فما كان منهم إلا الطلب مني -و من أمثالي- المشاركة بلفت النظر و النقد و محاولة علاج المشاكل و طرح الحلول المتعلقة بمشاريع الفكر العروبي، و قد أحسنوا !
و لذلك، سأحاول من خلال هذه المقالة البسيطة استعراض بعض المآخذ، أو لنقل، استعراض بعض الاقتراحات المتواضعة بشأن المشروع القومي العربي، و الذي لا أراه بالضرورة باطلاً أو مستحيلاً خصوصا إذا ما تفحصنا واقع العرب السياسي و المستقبل المجهول.
أولاً، الملاحظ للخطاب القومي الجديد يجد أنه خطاب متلهف، غاضب، مستنجد، و ليس خطابا ينم عن "ترف فكري" يدور في الصوالين الثقافية، و هذه الصفات المصاحية للخطاب مفهومة جدا إذا ما تفهمنا العوامل التي أدت إليها، فما هي تلك العوامل ؟
هي عوامل، و لكن هناك عامل واحد من وجهة نظري هو العامل الأهم و الأبرز و هو : العوامل السياسية الخارجية المحيطة بالعرب : إيران تحتل الأحواز العربية و جزر الإمارات و تعبث بالعراق و اليمن و لبنان و سوريا و تحلم بامبراطورية فارسية نووية جديدة توظف فيها "التشيع" و "نصرة فلسطين" لخدمتها. أمريكا حدث و لا حرج فهي تعبث بالمنطفة العربية منذ عقود فهي الشيطان الأكبر، و طبعاً هناك ورم خبيث ينمو في أحشاء الوطن العربي و يُعرف بإسرائيل يحتل فلسطين و الجولان و جزر سعودية !
حال عربي مؤسف بشكل يدعونا لتفهم الدعوات القائلة باتحاد العرب (و هو اتحاد لن يسر الكثير)، و لكن لا بد من التنبيه لبعض النقاط، فمشروع القومية ليس بجديد و قد باء باخفاقات كارثية. هاكم ما أرى :
باعتقادي أن اللهجة الطاغية على الخطاب العروبي -و إن تفهمناها ابتداءً- يجب ألا تطغى على أسس و قيم الدولة المستقبلية. الدولة التي تقوم على "الخوف و الذعر من الآخر" لا يمكن أن تنجح في سياستها الداخلية و لا حتى الخارجية و النتيجة فشل ذريع، و هذا باعتقادي ما حصل لدول الرعيل العروبي الأول. الدولة التي تقوم على الخوف و التوجس من الآخر (حتى لو كان ذلك التوجس مشروعاً) تجنح بالعادة أكثر من غيرها إلى الانزلاق إلى وحل الديكتاتورية و الطغيان بدعوى حفظ مصالح الأمة، و هي دعوى فيها خطر عظيم !
أي دولة ذات سيادة مستقلة تمر بمراحل تختلف فيها سياساتها المتبعة في إدارة شؤونها، فهناك مرحلة سلام و بناء (و هي القاعدة) و هناك مرحلة حرب و عداء (و هي الشذوذ). الوضع السياسي الراهن للعرب يجعل من السهل جدا -و ربما بشكل غير واعي- قيام الدولة على أسس الحالة الشاذة و ليس القاعدة، و هذا لا بأس به، لكن المشكلة أن ظروف الحرب تحتم سياسات استثنائية تحد من قيمة الفرد و من حريته بشكل دكتاتوري يمكن تفهمه أثناء ظروف الحرب، و لكن ليس أثناء فترات السلم. حتمية هذه السياسات الاستثنائية تجعل منها قاعدة ثابتة تهدد -ليس فقط حياة الفرد و حريته- و إنما أي شكل من أشكال المعارضة للدولة !
ما أقترحه هو قيام دولة العرب في دستورها/أسسها (سمها ما شئت) على نوع من "حجاب من الجهل" بالأوضاع الراهنة المحيطة بها. يجب أن تقوم تلك الدولة على القاعدة و ليس على ما شذ كما لو كانت في حالة رخاء و سلم، و ليست في حالة "طوارئ"، فالطارئ هو ما شذ عن القاعدة و ما لم يثبت. بهذه الطريقة يمكننا على الأقل حماية الحريات الفردية و حقوق الإنسان و موازنتها مع أهداف و مصالح الأمة العامة.
الأمر الآخر هو ضرورة أن يكون الفكر العروبي أكثر مرونة و براغماتية فالغاية هنا تبرر الوسيلة. لا بد من التفريق بين "الفكرة" و "وكيل الفكرة" و اتخاذ أساليب منطقية في الحكم على الأفكار، فـ "فكرة عدوي ليست بالضرورة عدوي". يجب التحرر من أدبيات الخطاب العروبي القديم في معاداة كل ما هو أمريكي على سبيل المثال. أمريكا ليست مقياس أخلاقي للحكم على الديمقراطية مثلا أو الرأسمالية. هذا النوع من التفكير اللامنطقي فشل و سيظل يفشل لأنه لا يحكم على الأفكار في ذاتها و إنما فيمن يمثلها في مغالطة صريحة لأبسط قوانين المنطق.