الأحد، 20 فبراير 2011

عالم صوفي و جوستاين غاردر



انتهيت منذ مدة من قراءة الرواية التعليمية الرائعة "عالم صوفي"، و هي رواية للكاتب النرويجي الفذ جوستاين غاردر. الرواية بشكل أساسي تتحدث عن تاريخ الفلسفة في قالب روائي قابض للأذهان.

الرواية رائعة جدا كمقدمة لتاريخ الفلسفة و أبرز الفلاسفة و أعمالهم. هي أيضا خيار ممتاز لمن يود استرجاع تاريخ الفلسفة الذي نسيه.

الرواية بشكل عام هي A must-read فهي تستحق القراءة، و غاردر كاتب فذ.

صوفي آمندسون -الشخصية الرئيسية في القصة- هي فتاة على وشك بلوغ الخامسة عشرة من عمرها عندما تلتقي بـ البرتو نوكس، و الذي يؤسس لها حبها الجديد : الفلسفة.

لن أخوض في تفاصيل القصة، فلست بـ spoiler، و لكن شخصية صوفي لطالما أثارت استيائي، فهي مغرورة متذمرة أغلب الوقت، و ما زاد استيائي هو ردة فعلها عندما كان ألبرتو يشرح بعض مساهمات الفلسفة الإسلامية قائلة : أريد أن أعرف ماذا حصل للفلسفة الإغريقية ؟ أم أن هذا هو ذنب الكاتب ؟

أحب أن أنوه -و من خلال اطلاعي على مراجعات عديدة للعمل- أن هذه الرواية قد لا تروق لمن يبحث عن "عمل أدبي"، فهي في المقام الأول عمل سردي لتاريخ الفلسفة و أهم الفلاسفة و أفكارهم. لذلك، فإن قيمتها التعليمية الفلسفية -باعتقادي- تفوق نظيرتها الأدبية و بمراحل !

هذا بشأن الرواية، و التي أنوي أن أقرأ مثلها اثنتين أخريين لنفس الكاتب : سر الصبر ، و مايا.

بالنسبة لجوستاين غاردر، فيبدو على الرجل و من خلال كتاباته أنه رجل محب للسلام، مروج له، و يرى أملاً كبيرا في "الأمم المتحدة" كمنظمة ستنشر السلام في العالم. (أحسده على تفاؤله) !

غاردر كان له قضية و اتهم بـ "معاداة السامية" على خلفية مقال نشره عام 2006 يدين فيه جرائم الحرب الصهيونية على لبنان، و لكنه أنكر التهمة (و هي تهمة ترمى على أي منتقد للنازيين الجدد) ، و قال أنه كتب مقاله في حالة غضب بعد أن رأى الدمار البشري و البنيوي التحتي الذي أحدثته إسرائيل بلبنان ذلك الصيف.

أقول : أنا فاهمك يا غاردر. و الله فاهمك.

الأحد، 5 ديسمبر 2010

الكوميديا الإلهية




ملحمة عجيبة هي هذه "الكوميديا" الشعرية و التي سطرها الفلورنسي دانتي أليغييري.

طبعاً، لن أخوض في تفاصيل تعريفية بهذه الملحمة الخالدة، أو تاريخها، أو عنوانها، و إنما سأحاول تسطير انطباعي الشخصي عن جزء واحد منها.

أنا حقيقة لم أقرأها كاملة، و إنما اكتفيت بقراءة " الجحيم " و الذي يُعد الجزء الأول من الكوميديا، يليه المطهر، فـ الفردوس.

أحسب أن الكوميديا عملاً أدبياً شعرياً ضخماً ( و هي كذلك ) ، و على الرغم من تلك الحقيقة، إلا أني و بكل صدق، لم أتعرف على " وجودها " إلا قبل فترة زمنية قصيرة نسبياً، و هذا ما حجبها عني على الرغم من أني أكاد أجزم بأن عنوانها أو اسم مؤلفها قد أُلقيا على سمعي من قبل، لأني - منذ أن قرأت الجحيم - و هي تهطل على مسامعي بين الحين و الآخر.

في حديثٍ لي مع زميل إنجليزي متخصص في الأدب الإنجليزي حول هذه الملحمة، عبّر صديقي عن إعجابه بتلك العبارة الموجودة على بوابة الجحيم القائلة :

"Abandon All Hope Ye Who Enter Here!"

لا أذكر حقيقةً لماذا هذه العبارة بالذات، و لكن وفقاً لصديقي، هي عبارة علقت في ذهنه.

يمضي الزميل و يواصل حديثه و يقول : دانتي كان مسيحياً متعصباً متطرفاً، و يتضح ذلك من أبيات الكوميديا (أو الأناشيد الكانتو) فهو ينتقد البعض لأنهم وفقاً له "ليسوا مسيحيين بشكل كافٍ !"، و يذهب بعيداً لينتقد الكثير من البابوات و يضعهم في الجحيم.

في حديثٍ مع زميل أميركي متخصص هو أيضاً في الأدب الإنجليزي، لفت نظري إلى حقيقة مثيرة، و هي وضع دانتي للبعض ممن " كانوا أعداءه في الحياة " في الجحيم هم أيضاً !

ما لفت نظري أنا شخصياً هو وضع دانتي لـ محمد نبي المسلمين في الجحيم - كما يرى - بصفته مثيرا للفتن الدينية و السياسية بالإضافة إلى ابن عمه علي بن أبي طالب معه هنالك كالمسؤول عن صراع و انشقاق السنة و الشيعة، و لا أعلم حقيقة كيف توصل إلى تلك القناعة.

ما هو مثير هو رؤية دانتي لمحمد في الجحيم، بينما يلاقي كلاً من ابن سينا، ابن رشد، و حتى صلاح الدين في الليمبو ( منطقة تلي البوابة ضمن دائرة الجحيم الأولى. عذاب من فيها هو انتظار الخلاص الرباني و الذي لن يأتي )، لأن تلك الشخصيات باعتقادي متأثرة بـ محمد بشكل أو بآخر.

يبدو أن دانتي كان مقدراً للفلاسفة بشكل كبير، و خصوصا ابن رشد الشارح الأعظم لـ أرسطو، أما صلاح الدين فغني عن التعريف بقهره للصليبيين و لعلاقته بـ ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا ذاك الزمان.

لم اختار دانتي شخصية فيرجل كالدليل خلال الجحيم ؟ ربما لأن فيرجل كان شاعر روما العظيم ؟ فهو من ألف الإنياذة بطلب من أغسطس قيصر أوكتافيوس. تلك الملحمة التي تتحدث عن رحلة المهزومين من أبناء طروادة منها إلى شمال أفريقيا خلال قرطاج حتى الاستقرار و تأسيس روما !

عموماً، الملحمة ( خصوصا الجحيم )هي عمل خالد و رائع على الرغم من أني عانيت صعوبة في كثيرة الأسماء الواردة فيها. دانتي كان مطلعاً جيداً على الميثولوجيا الإغريقية و الرومانية لكثرة الشخصيات الواردة منها.

الأحد، 13 يونيو 2010

هكذا قال ابن كينغ.

أذكر – خلال الأيام التي سبقت وفاة الشبكة الليبرالية السعودية - أن الموضوعات المتنوالة لتشريعات الطوائف الإسلامية المختلفة كانت قد ملأت الشبكة و ضيّقت عليها النَفَس و المساحة. المؤسف أن أغلب تلك الموضوعات كانت قد طُرحَت لكل سبب يمكنك عزيزي القارئ أن تأتي به، إلا الإطلاع، طرح الأسئلة، أو النقد المُحترف لمحتوى تلك التشريعات المختلفة، و هذا ما جعل تلك الموضوعات – من وجهة نظري الخاصة – تفتقد إلى المصداقية و الحيادية المطلوبة.

أُغلقَت الشبكة بفعلٍ فاعل، و تفرّق الزملاء، و توزعوا في مُختلف المناطقِ و الأقاليم الافتراضية. مجموعات هم انتشروا في هذا الفضاء الشبكي المعلوماتي. مجموعة هنا و مجموعة هناك، و قد حالفنا الحظ باجتماعنا و الأغلبية من الزملاء في هذه الشبكة الحرة، و التي نتمنى لها التوفيق في مواصلة مسيرة التنوير.

و كما هو معلوم، فإن من المبادئ الليبرالية هي حرية الكلمة و التعبير، و التي يستفيد منها غير الليبراليين قبل الليبراليين أنفسهم، و من أشكال تلك الاستفادة و المنفعة هي ما أصبحنا نراه مؤخراً من محاولة لإحياء ذلك الطابع من الموضوعات ذات الصفة الطائفية الغير احترافية، و هي موضوعات في غالبها تهاجم تشريعات معينة ذات مستوى شخصي في حال التطبيق، و لكن لأن الهدف هو التصفية و التشفي، فإننا نرى تلك الموضوعات نَشِطة و متحركة و مرغوبة من فئة معينة.

إن موضوعات مماثلة لا يُمكن أن ينتج عنها ما يُفيد. إن محصلة تلك الموضوعات اللااحترافية لا تعدو كونها زيادة كم الشحن العاطفي السلبي بين مختلف الفرق و الطوائف الإسلامية، و هذا ما يتعارض مع الفترة الإصلاحية التي نمر بها و التي من مقوّماتها وحدة الوطن و أبناءه، و اتحادهم، و تعاونهم فيما فيه مصلحة هذه البلاد و أبناءها.

هل أنا أدعو إلى حظر طرح موضوعات مماثلة ؟ لا، لا عزيزي القارئ.

طارحوا تلك الموضوعات، مؤيدوها، و المشاركون فيها قد يبررون أطروحاتهم، ردودهم، و تعليقاتهم المؤطرة بالكراهية بـ الكراهية التي يشعرون بها من الطرف الآخر المقابل. بكل بساطة، مواجهة الكراهية بكراهية أشد نكايةً و عداء.

و لكن،

هل مواجهة الكراهية بمثلها هو التصرف الأمثل، المطلوبُ، و المنشود ؟

الإجابة هي : لا. على الأقل بالنسبة لي. كراهية * كراهية = كراهية مضاعفة، بكل بساطة.

لم لا نواجه الكراهية بضدها ؟ لم لا نواجه الكراهية بالحب و الترحيب ؟ أ لا ترى عزيزي القارئ أن الإحسان يستعبدُ القلوب كما يقول الشاعر بما معناه ؟ خصوصاً إذا كنا نتحدث على المستوى أو المسرح الوطني السعودي. الكراهية هي إضاعة للوقت و مُهدرة للعواطف و التي في الغالب لا يَصدق حُكمها.

أتمنى أن نواجه الكراهية بالمحبة و التّقَبل و الترحيب، فإن تجاوزنا ذلك، أتمنى أن نتحد و نتعاون، و أن نلتفت إلى ما يهم فعلاً. هناك مستفيد من خلافاتنا و تضاربنا في بعضنا البعض. هناك من يريد إشغال العامة بتوافه حتى يظفر بالعظائم، و أتمنى أن ندرك ذلك و أن نتداركه و نحن أعضاء في هذه الشبكة الحرة الفتية.

" لا يُمكن للظلام أن يجليَ الظلام. النورُ فقط هو ما يجلي الظلام. الكراهية لا يمكن أن تمحي الكراهية. المحبة هي ما يمكنها عمل ذلك ".

- مارتن لوثر كينغ