الجمعة، 8 يوليو 2011

نعم لـ "مركزية الفتوى" !

كنت في الحقيقة أحد المرحبين بالقرار الحكومي القاضي بـ "مركزة" إصدار الفتاوى في هيئة كبار العلماء في السعودية. السبب خلف تصفيقي لذاك القرار هو اعتقادي الساذج بأن ذلك سيؤدي إلى "نضوج" الفتوى من خلال طبيعتها التي ستصبح مركزية و بعيدة عن التناسبية و التي تصل إلى مستويات مخجلة أحيانا تتناقلها وسائل الإعلام حين تعوز الكوميديا !

إلا أن حمدي و ثنائي ذلك كان ملحوقا باستنكار و إنكار من قبل البعض من المحسوبين على التيارات المتحررة -إذا سمحت لي عزيزي القارئ- لاعتقادهم بأن في ذلك تقوية للمؤسسة الدينية و قتل لفرص التداول و التناقش الفقهي و الأخذ و الرد مع ما سيكون "كاتدرائية" بنظام كهنوتي سلفي إسلامي ! (كما أن القرار استُهجن من قبل بعض السلفيين و سأشرح لماذا لاحقا).

لا أنكر حقيقة أنني و بعد اطلاعي على موجات الردود المعارضة تلك شعرت برغبة في ضرب رأسي و معاتبة عقلي، و لكني لم أعلم بأني كنت على حق في حمدي لذلك القرار و لكن للسبب الخطأ !

هنا حقيقة واقعية : رجل الدين في مجتمعنا -و من كل المذاهب- يسير بهالة قدسية فوق جمجمته لا تخطئها العين إلا أن رجل الدين السلفي الوهابي يتميز هنا و يتفوق إذا علمنا أنه يمثل السلطة الدينية للبلاد، فهو لا يسير بهالة قدسية و حسب، و إنما لديه الكثير من الأجنحة و الرماح و كأني أراه مطلياً على سقف كنيسة إيطالية تعود لعصر النهضة !

هذه الحقيقة تصيبني بالإحباط في مجتمعي. عندما يحصل كل إنتاج من رجل دين على تصريح دخول لعقل الفرد من دون أي تفحص أو تساؤل أو اعتراض فهذا يدل على خلل و شرخ عميق في ثقافة ذلك المجتمع لأنها ثقافة تغيب الفكرالتساؤلي بشكل عام و لكنها "تقدس" تغييبه أمام رجل الدين !

كنت دائما أفكر كيف يمكن تحطيم هالة القدسية تلك و إزالة الغشاوة عن المقدسين و إقناعهم بأن رجل الدين ليس سوى فرد من أفراد المجتمع يُشكر إن أحسن و يُنتقد إن أساء و أخطأ، و لكن لم يكن هناك من سبيل لأن المجتمع كان مخدرا حتى الضمور العقلي و لم تكن تفلح إلا محاولات بسيطة من قبل التيارات اللاإسلاموية و التي ما زالت تحاول حتى الآن.

علما بالحقيقة الواقعية المذكورة أعلاه، و بعد تفحص للتاريخ الأوروبي، استطعت أن استنتج أن قرار مركزية الفتوى هو قرار موفق -على الأقل بالنسبة لي- للوصول إلى الهدف المتمثل في هز القناعات المصورة لرجال الدين و كأنهم ملائكة لأن مأسسة المنطومة الدينية ضمن طبيعة كهنوتية تحت سيطرة السياسي هي ما سيقنع الناس أن الدين يتزامل و خاصية "مطلقة غير خاضعة للزمان و المكان" و هي أنه "لا يمتلك حصانة ضد التلاعب به" من قبل الآخرين ! (و بذلك خطوة نحو العلمانية و فصل الدين عن الدولة).

نعم يا سادة.

و لذلك، و إدراكا لهذه النجاحات للحركات الإنسانية، نرى الآن جنوح البعض من المنتمين إلى التيار السلفي الجامي -المنشغل بقضايا ذات طبيعة اجتماعية- إلى اتخاذ نزعات "إخوانية" للصعود و اللعب على مستوى المشهد السياسي، و ذلك لسببين :

أولاً : الفشل الذريع على المسرح الاجتماعي و عدم القدرة على استيعاب معطيات و تطورات العصر الملقية بظلالها على المجتمع و الذي بدأ يضيق ذرعا بذلك التيار و رموزه و خصوصا بعد 11 سبتمبر و الأحداث الإرهابية و الصعود القوي للتيارات المناوئة و التحالف المفرط مع السياسي مما كلف السلفيون جماهير كثيرة و رموزا مهمة أيضا.

ثانياً : هجر الدولة "الجزئي" للتيار السلفي بعد الأحداث المذكورة أعلاه و تأثر العلاقة الرومانسية بينهما و انحسار الحب و الغرام بشكل تدريجي.

لذلك -و هذا ما نسمعه و نراه من تلميح لرموز التيار السلفي- فإن شرعية الدولة تبدأ بالاهتزاز و ذلك طبقا لمبدأ "لعبوني و إلا بأخرب"، كما يبدأ السلفيون بالتوجه الآن نحو القضايا السياسية و "محاولة" التغاضي الطفيف عن المشهد الاجتماعي "الذي فشلوا فيه فشلا ذريعا" عن طريق تبني "خطابات الحقوق" الآن حتى يعكس الفرد السلفي صورة إيجابية عنه لـ "جذب الجماهير" التي خسرها سابقا و التي صارت تشهد السلبيات و المساوئ الجمة في قرن الدين بالسياسة.

لا شك أني أحيي كل حقوقي و كل مطالب بالحقوق و كل منادي بتطبيق القانون ضد التعسف و أرفع لهم العقال احتراما -إذا صح-، و لكن عندما أصفق لذلك الحقوقي المدافع عن المعتقلين ثم أجده بعد دقائق يشنع على ما يسميه "سفورا"، فإن هذا يجعلني أطرح الكثير من الأسئلة المشروعة عن دوافع هذا الشخص و أهدافه و خلفيته القانونية و التشريعية. الأمر ذاته ينطبق على المطالب بحقوق فئة دون فئة في استعراض مشوه لكسب الجماهير لا ينطلي على أمثالي.

لذلك، حتى يتم الطلاق بين الدولة و الدين، يجب أن يكون الزواج، و الشاطر يفهم. 

هناك تعليقان (2):

  1. تباً لمن قال: لحوم العلماء مسمومة. اهلكنا هذا المبدأ . مفال رائع أخي...

    ردحذف
    الردود
    1. Thank you, Abdullah. I apologize for the late reply. I just saw your comment.

      Indeed, It's interesting to see the "righteous" religious rolling in the filthy mud of politics. One could argue that it has been the case for religious symbols in Islam to speak for the oppressed, but the Saudi context here appears to be different. The religious in this country, generally speaking, is a "political bully" who seeks political social dominance while preserving the sacred halo above his head! It's utterly shocking to witness men of Islamic doctrine pursuing political goals knowing that would involve some serious violations of ethics!

      حذف