الجمعة، 27 يوليو 2012

الركن السادس ؟

" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..." - آل عمران : 110

لطالما غردنا و أنشدنا نحن المسلمون بأننا أفضل أمة أو -لنوافق الآية أعلاه- "خير" أمة على سائر أمم البشرية و ذلك بما خصّنا الله به من نزعة فطرية نحو أمر بمعروف و نهي عن منكر قد غابت عن تلك الأمم الأخرى -لنقُل- السيئة الحظ. لقد امتاز الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في مشهدنا المسلم -و خصوصاً السعودي- و حاز على حظوة عظيمة حتى كاد أن يكون ركناً سادساً مكملاً للخمسة قبله المقوّمة للإسلام. 

و لكن يجب أن أقر -كما يجب أن تُقر أنت عزيزي القارئ- بأن أبسط عينان ملاحظتان لوضع هذه الأمة يجعل من صفة "الخيرية" هذه موضع شك و تساؤل على أقل تقدير. و هذا أمر في الحقيقة لا يتطلب جهداً بالغاً لإدراكه. و هذا ما جعلني أتساءل عن معنى هذه الآية بشكل غير تقليدي و عرضها على ذاتي بطريقة "عقلانية فلسفية". لذلك، أنا هنا لا أنوي تسليط الضوء على هذه المسألة من ناحية "تشريعية" تنشد تحليلاً أو تحريماً.

"انصح نفسك" أو "ليش أنت ما تصلي؟" هي عبارات قد تلتقطها المسامع ضمن "حوارٍ راقٍ" بين فردين أحدهما على الأرجح ينتمي لجهاز الهيئة (الركن السادس بطبيعة مؤسساتية ؟). أنا أجزم بأن العبارات المماثلة قد ارتدت رداء البديهية حد البساطة حتى تم تعريتها من أي أبعاد فلسفية عميقة أحاول استعراضها هنا. 

العبارات أو الأسئلة المماثلة باعتقادي تستحق أن تقدَّم على طاولة النقاش الفلسفي البحت في منحى فلسفة الأخلاق. هذه عبارات تؤسس لنفور قد احتل -ربما- العقل الباطن لدى الفرد منا، و هو نفور مبرَر باعتقادي ينبع من احساسٍ بالتساوي على المستوى الأخلاقي بين الناصح و المنصوح، فكيف تأمرني بمعروف أنت يا ابن آدم الخطّاء ؟ لا يمكن إنكار شعور التقزز ذاك الناتج عن المحاضرات الأخلاقية "المقدسة" و المبطّنة بـ "تفوق أخلاقي" قد حازه الناصح هنا قد يمر غير معبَّر عنه. 

هذا ما أدى بي -و بعد تأمل طويل- إلى الاعتقاد بأن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر -بهيئته المقدسة المحفوفة بالآية أعلاه- لا يمكن أن يكلَّف به إلا من "يفترض فيه العصمة". نعم، فرداً معصوماً و بشكل مُطلق يأمر بمعروف يعرفه و يؤديه على أكمل وجه و ينهى عن منكر لا يرتكبه إطلاقاً.

و أنا هنا لا أتحدث عن النصح و الإرشاد و الذي قد يقابله الفرد منا على أسس يومية أو شبه يومية. أنا لا أتحدث عن حملات توعية مدنية مثلاً. محور حديثي هنا هو "التوجيه الأخلاقي الذي يحظى بمباركة إلهية".

و كما يقول باولو كويلو، "عندما تعزم على فعل أمر ما، فإن الكون بأكمله يعمل معك على تحقيقه". و كان تأملي لهذا الموضوع قد توازى -يا للمصادفة- و حدثين مهمين. الأول كان تصريحاً دفاعياً من رئيس هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قبل عدة سنوات -لا يحضرني اسمه للأسف- يؤكد فيه بأن عمل أفراد الهيئة هو "عمل الأنبياء"، و أنا هنا أتفق معه تماماً، فالأنبياء يُفترض فيهم العصمة، أ ليس كذلك ؟

الحدث الآخر هو تصفحي لأحد الكتب التشريعية لفرقة شيعية ترى أن لفظ "الأمة" الوارد في الآية يعود على "أئمة آل بيت محمد"، و ليس المسلمين كأمة جمعاء. هذا أمر -بالنسبة لي على الأقل- غاية في الأهمية خصوصاً إذا ما علمنا أن الشيعة بشكل عام ترى في محمد و الأئمة من أهل بيته العصمة المطلقة أيضاً !

يبدو لي أن العصمة تتلحف الأمر يا سادة من عدة جوانب، و هذا ما أود تقريره.

أعتقد أن محاولة دراسة هذا الموضوع من هذا الجانب قد تساعد في تخفيف الاحتقان المصاحب للركن السادس المُفترض و التقليل من مستوى "الشوفينية الأممية" و التي قد تكن مضللة خادعة، بل و معيقة في أحيانٍ كثيرة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق